الثلاثاء، 23 أبريل 2013

ابنى التوحدى - سامحنى ارجوك

سلوى العضيدان
حين كنت أقوم بترتيب ملابس صغيري التوحدي ''مشعل'' في حقيبة السفر كنت أستحضر في ذهني كل الاستراتيجيات التي تعلمتها في تطوير الذات التي تساعد على تجاوز الأزمات، فقد كان رحيله في كل مرة بالنسبة لي أزمة ستؤدي إلى كارثة، همست لنفسي ''خذي نفساً عميقاً هو سيكون بخير وأنت ستتجاوزين الأمر'' أكملت كافة الترتيبات ووضعت سيارته الحمراء التي يعشقها في الحقيبة وكذلك لعبة game boy التي اشترتها له شقيقته الصغيرة، كان الأمر أشبه ببناء برج عملاق من أوراق ''بلوت'' في تلك اللحظة التي أمسك بها والده بيده الصغيرة استعداداً للمغادرة شعرت أن الفراق قد أصبح حقيقة وحين استدار نحوي ونظر لي بعينيه البريئتين أدركت أن ورق ''البلوت'' بدأ في التطاير في كل الأنحاء، وأن البرج قد بدأ في الانهيار.. استودعته الله وشيء في داخلي يتكسر ويتحول إلى شظايا متناثرة، خيم الصمت حتى خلت الزمن قد توقفت عقاربه احتراماً لصدى تحطم جدران قلب أم، لم أبك في تلك اللحظة ربما لأن الحزن بداخلي كان أكبر من ملوحة الدموع لكن شقيقته الصغيرة قامت بالواجب فقد فتحت ''مناحة عظمى'' كانت فيها نائحة ثكلى لا مستأجرة، وقد قضيت يومي بطوله أحاول تهدئتها، وأن ''مشعل'' سيكون بخير وبالكاد هدأت بعد ساعات طويلة وخلدت إلى فراشها وبقايا دموعها تبلل وسادتها، وحين أقبل الليل بعباءته السوداء وأوى الجميع إلى مهاجعهم هاج حزن الفراق في قلبي فلملمت بقايا نفسي وهرعت إلى ''سطح المنزل'' أشكو إلى الله حزني وفراقي لطفلي وكبحار الجليد حين تبدأ في الذوبان بالقطب الشمالي بدأت دموعي في الانهمار بعد طول تجمل وانحباس وظللت على هذه الحال إلى أن تسلل لروحي المجهدة صوت أذان الفجر الأول وتذكرت حينها قول الله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) فاللهم اربط على قلبي وقلب كل أم تعاني فراق أولادها!
قد يتساءل البعض وما يعنينا نحن كقراء من هذه المواقف الدرامية الحزينة ''اللي تضيق الصدر''؟!
لقد أردت أن نتشارك وجدانياً بشيء بسيط مما يعانيه أهالي التوحديين حين يعقدون العزم على إرسال طفلهم لأحد المراكز الخارجية المتخصّصة في تعليمهم وتأهيلهم، أكثر من 250 ألف توحدي في وطني ما زالوا يعانون التهميش وسوء الخدمات المقدمة سواء من وزارة الشؤون الاجتماعية أو من وزارة التربية والتعليم، فإلى الآن لا توجد مراكز تربوية متخصّصة في التوحد وإنما مجرد فصول فكرية ملحقة بالمدارس لها شروط تعجيزية للتسجيل يشيب لها رأس الحليم.
أما المراكز الأهلية الخاصّة بالتوحد فإنك حين ترغب في تسجيل طفلك بها فيجب أن تعد دراسة جدوى قبلها بفترة لترى مدى قدرتك على الوفاء بأقساطها التي تصل لـ 40 و50 ألف ريال!
وهذا ما يدفع الأهل إلى إرسال أطفالهم إلى البلدان المجاورة ليتلقوا تعليماً أفضل رغم قسوة الفراق ولهيب البُعد!
المجتمع بأسره عليه أن يدرك أن التوحديين لهم حقوق يجب احترامها، وأن تتم مساندة أهاليهم ودعمهم نفسياً واجتماعياً، فالأعداد في تزايد والواقع لا يمكن الهروب منه بإخفاء رؤوسنا بالرمال!
جريدة الأقتصادية

هناك تعليق واحد: